تجـريد الطفولة- أداة استعمارية لقتـل الأطفال الفلسطينيين ومحـو إنسانيتهم.

المؤلف: يارا هواري09.18.2025
تجـريد الطفولة- أداة استعمارية لقتـل الأطفال الفلسطينيين ومحـو إنسانيتهم.

في مطلع شهر شباط، وبالتحديد في السابع منه، فجع العالم بوفاة الطفل الفلسطيني صدام رجب، ذو العشرة أعوام، في أحد مستشفيات الضفة الغربية المحتلة، متأثرًا بجراح ألمت به جراء إطلاق نار عليه من قبل جندي إسرائيلي غاشم قبل أيام معدودة. كان صدام يقف ببراءة في قارعة الطريق، أمام منزله المتواضع، حينما داهمت قوات الاحتلال قريته الوادعة بالقرب من طولكرم، وشرعت في إطلاق النار بشكل عشوائي.

سجلت كاميرات المراقبة لحظة الإصابة المروعة، حيث هوى صدام على الأرض، ممسكًا ببطنه الصغير، متكورًا في وضعية الجنين، يئن من شدة الألم الذي يعتصر قلبه الصغير. لم يتمكن المستشفى الأول الذي استقبل صدام من تقديم العلاج اللازم له، مما استدعى نقله على الفور إلى مستشفى آخر في مدينة نابلس. وخلال الرحلة المؤلمة، احتُجزت سيارة الإسعاف لساعات طوال عند حاجز عسكري، حيث تجرد جندي إسرائيلي من إنسانيته وسخر من والد صدام المفجوع، قائلًا بوقاحة: "أنا من أطلق النار على ابنك، وإن شاء الله سيموت".

صدام ليس سوى واحد من بين 13 طفلًا فلسطينيًا بريئًا قتلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة في الضفة الغربية المحتلة منذ بداية العام الحالي. ومنذ مطلع شهر كانون الثاني/يناير من العام 2023، تجاوز عدد الأطفال الفلسطينيين الذين استشهدوا على أيدي الجنود والمستوطنين الإسرائيليين المتطرفين 220 طفلًا.

لكن قصة صدام المؤلمة – كحال غيره من الأطفال الفلسطينيين الأبرياء الذين يُزهق الاحتلال أرواحهم – لم تتصدر الصفحات الأولى من الأخبار العالمية. لم يكن هناك أي رد فعل يُذكر من المجتمع الدولي على مقتله، لأن الأطفال الفلسطينيين يُجرَّدون باستمرار من إنسانيتهم وبراءتهم.

هذا التجاهل الفاضح يتضح جليًا حتى في الحالات النادرة التي تحظى باهتمام إعلامي محدود، مثل قصة الطفلة البريئة هند رجب، التي قتلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة في التاسع والعشرين من شهر كانون الثاني/يناير من العام 2024، أي قبل نحو عام كامل من إطلاق النار على صدام.

كانت هند، الطفلة ذات الست سنوات، تحاول برفقة عمتها وعمها وأبناء عمومتها الفرار من جحيم غزة على متن سيارة متواضعة، عندما حاصرتهم القوات الإسرائيلية الغاشمة وأمطرتهم بوابل من الرصاص. قُتل جميع أفراد العائلة في الحال، لكن هند نجت بأعجوبة في البداية، وتمكنت بشجاعة من الاتصال بجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني طالبةً المساعدة العاجلة، بينما كانت الدبابات الإسرائيلية تتربص بها وتقترب منها.

أحدثت تسجيلات مكالماتها الهاتفية مع الهلال الأحمر صدمة مدوية في جميع أنحاء العالم، لكن سيارة الإسعاف التي أُرسلت لإنقاذها لم تعد أبدًا. وبعد مضي نحو أسبوعين، عُثر على جثث هند وأفراد عائلتها المسكينة، إلى جانب جثتي المسعفين يوسف زينو، وأحمد المدهون، حيث كشفت التحقيقات المروعة أن الجيش الإسرائيلي استهدف سيارة الإسعاف والمركبة التي كانت هند بداخلها عمدًا، رغم معرفته التامة بإحداثياتهما. ورغم أن جريمة قتل هند البشعة لاقت اهتمامًا عالميًا واسع النطاق – وهو أمر نادر الحدوث وسط أكثر من 17.000 طفل فلسطيني بريء قُتلوا في غزة – لم تسلم حتى هي من محاولات دنيئة لنزع صفة الطفولة عنها.

فعلى سبيل المثال، عندما أوردت شبكة CNN الإخبارية خبر إطلاق اسم "هند" على أحد مباني جامعة كولومبيا من قِبل طلاب متضامنين مع القضية الفلسطينية العادلة، وصفتها بأنها "امرأة قُتلت في غزة" بدلًا من الإشارة إليها كطفلة صغيرة بريئة.

ومثال آخر أكثر فجاجة وانحطاطًا جاء في تقرير لشبكة Sky News الإخبارية في شهر كانون الثاني/يناير من العام 2024، حيث قال المذيع ببرود أعصاب: "عن طريق الخطأ، وجدت رصاصة طائشة طريقها إلى الحافلة أمامنا، مما أدى إلى مقتل شابة تبلغ من العمر ثلاث أو أربع سنوات".

تلك "الشابة" لم تكن سوى الطفلة الفلسطينية البريئة "رُقيّة أحمد عودة جحايلين"، التي قُتلت برصاصة غادرة اخترقت ظهرها الصغير، بينما كانت تجلس بأمان في سيارة أجرة مع عائلتها في الضفة الغربية.

"تجريد الأطفال من طفولتهم" كأداة استعمارية

تلك الأمثلة المأساوية توضح بجلاء ما أسمته الباحثة الفلسطينية القديرة نادرة شلهوب-كيفوركيان بـ "تجريد الأطفال من طفولتهم" (Unchilding)، وهو مفهوم عميق يكشف كيف يُستخدم نزع الطفولة كأداة استعمارية بغيضة لنزع إنسانية الأطفال الفلسطينيين الأبرياء، لتبرير العنف الوحشي الممنهج ضدهم.

في فلسطين المحتلة، يُحرَم الأطفال الفلسطينيون من صفة الطفولة المقدسة، لأن الاعتراف بهم كأطفال يعني الاعتراف الصريح بمظلومية الاحتلال الغاشم. لذلك، صُوِّروا لعقود طويلة في الرواية الإسرائيلية والغربية المتحيزة إما على أنهم أقل شأنًا من غيرهم من الأطفال في العالم، أو على أنهم ليسوا أطفالًا على الإطلاق، بل مجرد "إرهابيين محتملين" يشكلون خطرًا دائمًا.

وبهذا الشكل المشين، يُعتبرون خطرًا فطريًا متأصلًا في طبيعتهم، مما يُبرر قمعهم وتعذيبهم وقتلهم بدم بارد، ويُحرمون من أي حماية تمنحها صفة "الطفل" عادةً، مثل البراءة والنقاء والضعف الذي يقتضي التعاطف والشفقة.

لكن التجريد من الطفولة لا يقتصر فقط على القتل والتشويه الجسدي، بل يمتد ليشمل أيضًا الاعتقال التعسفي والتعذيب الممنهج داخل السجون الإسرائيلية سيئة السمعة. في العام الماضي، أصبح أيهم السلايمة، الطفل الفلسطيني البالغ من العمر 14 عامًا من بلدة سلوان الصامدة في القدس المحتلة، أصغر أسير فلسطيني يقضي حكمًا جائرًا في سجون الاحتلال المظلمة.

اعتُقل أيهم قبل عامين، عندما كان في الثانية عشرة من عمره، بتهمة باطلة وهي رشق الحجارة على المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين. وبعد اعتقاله، خضع لتحقيق قاسٍ ووحشي، ثم وُضع تحت الإقامة الجبرية القاسية لمدة عامين كاملين قبل أن يُدان بموجب قانون إسرائيلي جديد ظالم يجيز سجن الأطفال الفلسطينيين بتهمة الإرهاب. وبهذا، تثبت إسرائيل أنها الدولة الوحيدة في العالم التي تحاكم الأطفال بشكل ممنهج وتنتهك حقوقهم الأساسية، وتزج بهم في سجونها المكتظة والغير آدمية.

وفي إعلامها المضلل، يُصوَّر الأطفال الفلسطينيون الأبرياء مثل أيهم على أنهم "تهديدات أمنية محتملة"، و"قنابل موقوتة"، و"دروع بشرية"، في محاولة يائسة لتبرير تعذيبهم وسجنهم وتقويض مقاومتهم المشروعة للاحتلال.

في ظل الإبادة المستمرة ستزداد المآسي

بينما تمتد الإبادة الجماعية البشعة عبر أرض فلسطين الحبيبة، تستمر المجازر المروعة بحق الأطفال والبالغين الفلسطينيين الأبرياء، والعالم بأسره يراقب بصمت مخزٍ.

لن تغطي وسائل الإعلام الغربية المتحيزة مقتلهم بضمير، ولن تُعرض صور طفولتهم الضائعة، ولن تُجرَى مقابلات مع عائلاتهم المكلومة، ولن تصدر إدانات قوية من القادة العالميين المتخاذلين.

لقد تم تجريد أطفال فلسطين من طفولتهم البريئة، ومن إنسانيتهم التي لا تقدر بثمن، في ظل صمت عالمي مطبق.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة